شتان بين إيمانِ اليوم والامس

 

في الماضِ كان الايمان قوياََ لا يتزحزح, يفدي المؤمن إيمانه بروحه, ويصل إلى الإستشهاد, او يُرمى للوحوش البرية لتلتهمهُ , وهو غير مُبالي إلا بمصيرهُ الابدي, لا ينكر المسيح, لا ينكر إيمانه, لايلين في مواقفه,  يسمع كلام الرسل والمبشرين برحابة صدر كأَنَّهُ يسمع من أُمَِهِ وأبيه او إخوتهِ, ينصت ويخشع وتدمع عينيهِ لسماعهِ عن عذابات المسيح على الصليب, تمتليء الكنائس التي كانت محظورة ومخفية في المغاور او تحت في شقوق الارض, ويُراقب الشمامسة الابواب خوفاََ وترقباََ ولتنبيه المؤمنين للهرب ساعة ما يُكتشف امر الكنيسة او تهاجم من قبل أعداء الايمان ويُقتل مؤمنيها, وكانوا أثناء القداس وقبل توزيع جسد الرب يطلبون من الغير معمذين من الحاضرين الخروج حتى يُكملوا القداديس ويُوزعوا جسدَ الرب (من لا شيقيلالي معموذيته نيزل!) ويغلق الشمامسة ابواب  الكنيسة , ويتناول القربان فقط المعمذين من المؤمنين ومن إعترف بخطاياه منهم, يا لهول وقداسة طقس القداس لديهم !

 

وفي اوقات المحنة والإضطهادات,  تأخذ الأُمهات اولادهُنَّ معهُنَّ  إلى ساحات الإستشهاد كأَنَّهُنَّ يأخذونهم إلى عُرس واحتفال, يا للهول! يفضلون السكن الابدي على سُكنى الارض, ويرون بأُمِ أَعينُهُم ابواب السماوات قد إنفتحت لتستقبلهُم الواحد تلو الآخر, الشهيد تلو الشهيد, ورائحة دمائِهِم تملأ أنوفَ سافكي دمائِهم وجلاديهم, وهم غير مبالين يُصلون بكُلِ قلوبهم وبكل كيانهم منتظرين السيف الذي يحُز رقابهم, نعم هكذا كانوا, هكذا نشروا الايمان, بدمائهم , بإيمانهم, بعذاباتهم, هكذا تحملوا صُلبانهم وزفوا بعضهم بعض إلى العرس, عرس الحمل.

 

لم يَكُن أحدهم يملك كتاب الانجيل, لم يكُنْ أحدهم يحفظ اي شاهد من شواهد آيات الانجيل والكتاب المقدس او يستشهد بها, لم يكونوا يحفظون الآيات والشواهد كالببغاوات , لكِنَّهم كانوا يحفظون الايمان والمسيح في صميم صميم قلوبهم, كانوا متأكدين وعارفين بمن آمنوا ! بمن سيُعطيهم الحياة الابدية ! , لم يكونوا ليكترثوا بأنَّهُم آمنوا على يد بطرس او بولس او من أَوصَلَ الكلمة والبشارة إليهِم, كان المهم من آمنوا بهِ , كان المهم من فداهم , ومن هم مستعدين لفدائِهِ بأرواحهم ودمائهم وتلقي العذابات باجسادهم من اجلهِ ! نعم ثُمَّ نعم هكذا وصلكُم الايمان, يا سادتي مؤمني يومنا هذا !!

 

 أما كنائس اليوم, فبنايات فاخرة, واعمدة طويلة, وأقواس وقُبب جميلة, مزينة وآمنة, ولكنَّها فارغة, فارغة حتى من روادِها وهم حاضرون يسمعون القداس فيها, يسمعون ولا يفهمون, ينظرون ولا يرون, لا يرونَ إلا كبريائهم !  لا يرون إلا زي الكاهن, او ماركات ملابس بعضهم بعض ! يسمعون الانجيل ويستشهدون بشواهدهِ وآياته, وهم بعيدون كل البعد عنهُ, بعد السماء عن الارض, لا يعترف أحد بخطاياه, فهذهِ مودة قديمة قد بَطُلت, وعفى عنها الزمن ! لا تُغطي أية إمرأة او آنسة رأسها, فما هذهِ التقليعة  البولسية ! فكيفَ سَتُظهر المرأة تعبها وتعب الصالونات على شعرها والوانه وصبغته ! يجب أن تظهر الشنطة والحذاء الذان بلون الفستان جلياََ للعيان, للجميع ليُلاحظوها, فلما دفعنَّ غالياََ لشراء ماركاتها ! ويجب أن يقتنوا أُخرى غيرها للمرة القادمة التي سيأتون فيها, فقد رآى الجميع ما لبِسوه هذهِ المرة, ولا يصح أن يراهم أحد بها مرة أُخرى, فكيف سيتنازلن ويهدرن كبريائهنَ  وتعاليهن على بعضهن البعض!

 

ينادي الكاهن, من لم يعتمد فليخرج! , (من لا شيقيلالي معموذيته نيزل!) ,  لكن لا أحد يسمع, او يفهم ما قيل, فالكل في وادِِ, ... في وادِِ آخر, كل واحد يسبح في خياله بعيداََ, بعيداََ عن القداس, بعيداََ عن الرب, فهم لا يسمعون بآذانهم, تُحَدِق عيونهم على الخبز والكاهن يكسرهُ أمامهم, ويرفعهُ عالياََ فوق رأسِهِ, ولكنَّهم  لا يرون شيئاََ بأعينَهم, وفي الختام يصطفون الواحد تلو الآخر ليتناولوا هذا الذي يسمونَّهُ القربان, وهم غير عارفين لا معناه , ولا قيمتهِ, بسحقونَّهُ تحتَ أسنانهم, بلا رهبة, بلا خشية ! الحَمْدُ لله, لقد ماتَ المسيحُ من أجلنا, نحنُ المؤمنين ! نعم نحنُ مؤمنون آخر زمن, ومن بقيَّ , ومن لا زالَ يحظر ويتردد على الكنيسة! وأي كنيسة ! كنيسة ساردس !

 

يخرجون ويلتقون ببعضهم البعض, ويتحادثون لساعات في كل أمور الحياة, لكن إياك ان تتكلم مع احدهم عن المسيح! عن الايمان! كافي, مو دخنا يا ناس! شبعنا ! وتبدأ الألسن بتقطيع سيرة هذا وذاك, هذهِ وتلك, يتكلمون عن كل شيء, إلا الذي حظروا من اجله, او من يقولون بأنهم يؤمنون بهِ, ويُسارع القس او الكاهن بلقاء الحاضرين ويُصافحهم تأديةََ لواجب شكلي ولمدة عشرة دقائق او ربع ساعة, والحمد لله قد أدى الواجب! ويهرب, اي نعم يهرب !!

 ثُم يقول قائل, ما هذا لماذا لا يعملون دروس تفسير للإنجيل , لماذا لا يشرح الكاهن الآيات ويعطي دروس للتفسير , فنحنُ مشتاقين لسماع كلمة الله, لأننا نقرأها ولا نفهمها ! ثم يجتمع بعضُ الحاضرين, ويذهبون للقس او الراهب المستعجل, ويا ابونا نحنُ نحتاج إلى جلسات لتفسير الانجيل, جلسات للشبيبة, جلسات للمؤمنين مع بعض, لنتعلم حب بعضنا البعض, ونفهم الانجيل, ويُجيب هذا الكاهن المستعجل , اي بس ما عندي وقت! اي سأُحاول! ماشي سنعمل محاضرة كل شهر مرة, ولمدة ساعة!

 

 ويحددون الوقت والموعد, ويا ليتهم لا هم ولا قساوستهم وكهنتهم فعلوا! فوقت الجلسة والحظور وبحسب الموعد, لا يأتي إلى الجلسة سوع عدد تعدهُ على الاصابع, فيتذمر الحاضرون لقلة العدد, والكاهن يقول متشفياََ , لاحظوا لم يأتي الكثير , ويلقي محاضرة بسيطة لمدة عشرة دقائق او ربع ساعة على اقصى تقدير, ثُم يسال: هل من أسئلة؟ عشر دقائق او ربع ساعة للأسئلة فانا مستعجل , وعندي مواعيد ثانية! وإِنْ كان الموضوع طويل بعض الشيء يُجزئهُ إلى خمسة او ستة أجزاء , وشهر بعد شهر يكون الحاضرين قد نسوا حتى الموضوع!!  يا سلام حتى المسيح والايمان اصبح يُقدم كالهمبوركر الجاهز والاكلات السريعة, مودة آخر زمن! ومؤمنين آخر زمن! وكهنة آخر زمن, وإيمان آخر زمن!!

 

ثُم يتباكى المؤمنون والكهنة, ويقولون "الكنائس فارغة! " بعض الكنائس تُباع لتصبح نوادي للرقص والدسكو, وأُخرى تصبح حانات للشرب والعربدة! وهذا وذاك من مَنْ يُسمَونَ بالمؤمنين أصبح من عبدة الشيطان, أو من شهود يهوه, او مورموني, او سبتي! او لا يأتي من بعد إلى الكنيسة, ولا يحظر حتى بالسنة مرة! وتخرج إلى الوجود كل يوم بدعة! وكل يوم يقال الروح القدس هناك, في الكنيسة الفلانية, في الكنيسة العلانية, ويذهب بعض الاخوة مِنْ مَنْ لا زالَ بعض الايمان يلسع قلوبهم, ليتفاجئوا, كل شيء موسيقى, كل شيء تراتيل جميلة, كل شيء هليلة رقص ودبكات, عياط وصراخ, ضحك وهتافات! الكل يقول كلمني المسيح! قالَ لي المسيح! ناداني المسيح! وكل فكرة طرأت بمخيلتهِ وهو يُصلي تصبح من المسيح ! وإِنْ قال أحد ما هذا الهُراء؟ يُتهم فوراََ بعدم المحبة, وكره تعاليم المسيح, ونكران حظور الروح القدس, ويا تقليدي أين تذهب من نار جهنم الذي ينتظرك انتَ وباباك !

 

يُشرح الانجيل وآياته بحسبِ الاهواء, تُذم الكنائس الأُخرى بحسبِ الأهواء ! أصبحت قصة آدم وحواء رمزية! والخطيئة الاصلية لزقة جونسون ألأمريكية توضع وترفع بحسب الحاجة, ويتكلمون عن شعوذة الإحتفال بشجرة عيد الميلاد الوثنية ! وعيد الفصح الذي لا تتفق كنيسة واحدة مع الثانية بحسبِ موعده, وكانَّ المسيح اصبح مسيحين! والفداء اصبح فدائين! ويصبح إختلاف الآراء بين الكهنة والآباء هو شعار الايمان, فهذا في الطريق المستقيم, وذاك هو الشمولية والإنتشار! وضاع الحب ضاع, ما بين السماء والارض ضاع!

 

 يتكلمون من هو الصح, ومن هو الاصح! ومن اين ينبثق الروح القدس؟ أ منِ الآب وحدهُ او من ألآب وألأبن, وهذا يستشهد بالآيات الفلانية والآخر بالعلانية, ومن منهم قد رأى الآب أو ألأبن ليعرف فعلاََ إِنْ كان الروح القدس ينبثق من ألآب من دون الآبن؟ هل أصبحت الكنائِس تتفلسف في كينونة ووحدة الثالوث , فإِنْ كان الثلاثة واحد أحد لا ينفصل او يتجزأ؟ فلما تتقاتلون وتأولون مِنْ مَنْ مِنَ الأقانيم ينبثق الروح القدس؟؟ أ أصبحتم أنتم وتنظيماتكم الارضية ومناصبكم الشكلية , أهم من المسيح والوحدة, وتحت مسميات مختلفة وحجج أقل ما يٌقال عنها : بأَنَّها ارضية لا تُرضي السيد المسيح, ولا العذراء مريم وهم يُنادون من السماء , ومن العلياء, وحدوا الكنيسة !! وحدوا على الاقل عيد الفصح !! وإنتظروا الضيقة العظيمة التي ستحلُ بكم جميعاََ لتوحدكم وتصهركم في اتونِ نارها وعذاباتها!

 

ومسيكنةُُ هي العذراء, فهي قالت " ستُطوبُني كل الأجيال" ولم تظن ولو للحظة بأَنَّها ستصبح نقطة الخلاف بين من يدعون بأنهم يقبلون بفداء إبنها, ويُسمون أنفسهم مسيحيين, فهذا من ينكر إِنَّها والدة الله, وحاشا لله, ان تكونَ لهُ أُم! وهذا من يسميها الجرة والإناء الذي أدى الغرض منهُ وإنتهى! وهذا من يهبها العصمة في ميلادها! وهذا من يُنسب ظهوراتها للشيطان الذي ينتحل شخصيتها! وإحتارت حتى العذراء فيكم!! إِنْ ظهرت قال البعض , هذهِ غواية من الشيطان! وإن لم تظهر, قال البعض لقد تركت السماء اهل الارض لمصيرهم, وليحاربوا ابليس من دونِ مرشد او دليل! ولكن الحقيقة المُرَّة هي كالعلقم, فأنتم تطلبون ايةِ حجة تتحاججون بها لتنفصلوا وتتجزوا وتتباعدوا, ألا ترون بأنَّكُم تبحثون عن التفرقة, لا الوحدة تحت ايِ مُسمى! إتركوا العذراء وشأنَّها, فهيَّ لم بنالها منكم سوى الالم, ألا يكفيها آلامَ صلبِ إبنها عوضاََ عنكم؟ توحدوا فيما بينكم واتروكوها وشأنَّها , فهناك من يُطوبها ويحبها ويُبجلها ويُزكيها فوق روؤسكم جميعاََ, ألا وهو إِبنُها عمانؤئيل, وهو فوق جميعكم, وفوق كُلِ إِنقساماتِكُم وجهلِكُم, وحكمتِكُم الارضية الفانية!!

 

وحتى الإيقونات والصلبان فرقتكم, وإعتبرتموها أصناماََ, بينما أصنامكم ألحقيقية هي في قلوبِكُم التي تحجرَ الايمانُ بها, وحجج التقرقة كثيرة وكثيرة جداََ, فأنتُم تبحثون عنها, وإِنْ لم توجد لإِخترعتموها, ديناََ جديداََ وتمسكتم بهِ ودافعتم عنه بكلِ كيانكم!

 

والمسيح ووحدة كنيسته وحدهم من وراء القصد, فعلكُم تهتدون, وتتحِدون!!

 

ودمتم جميعاََ بحماية الواحد احد

 

ابنكم واخوكم في الايمان

 

نوري كريم داؤد

 

16 / 09 / 2010



"إرجع إلى ألبداية"